موقع المثقف الجديد – حبيب عبدالله 

خلال السنة القادمة 2015م ستحتفل كلا من بريطانيا وفرنسا على مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو والتي بموجبها تم تقسيم الدول العربية ورسمحدودها التي بقيت إلى اليوم محل نزاع وصراع كان مخططا ومرسوما له من أجل استمرار المصالح الأوروبية الكثيرة أهمها التدخل وبسط النفوذ السياسي واستغلال الثروات الطبيعية والتي في النهاية تقود إلى إضعاف الدول والشعوب العربية المسلمة ناهيك عن إذلالها.
بريطانيا استمرت في سياسة التقسيم والتفرقة على المبدأ العريق للرجل الأبيض “فرق تسد” ولم تتوقف عند سايكس بيكو، فقسمت الهند وباكستان وبنغلاديش، ثم قطعت سنغافورة عن ماليزيا، ثم تيمور الشرقية عن أندونيسيا، وزنجبار العربية عن محيطها العربي، طبعا بمعاونة دول أخرى ولكن حسب مصلحة كل دولة في كل منطقة، وطبعا بعد قتل الآلاف من المسلمين والعرب في تلك المناطق، باستثناء استفتاءات حق تقرير المصير كما في سنغافورة الماليزية.. وما زالت بريطانيا تستخدم سياسة التفرقة والدسائس والتقسيم عند أي تهديد محتمل لمصالحها ونفوذها وليس على الدول العربية أو الإسلامية فقط بل وحتى الدول الأفريقية غير المسلمة.

اليوم تواجه بريطانيا التي تمثل المخطِط والعقل السياسي للهيمنة الغربية بعد دخول ومشاركة الولايات المتحدة، تواجه استفتاء على استقلال جزء مهم جدا وغني من محيطها القريب وليس البعيد، اسكوتلندا الجزء الثمين من بريطانيا “المملكة المتحدة” وليس ذلك الجزء البعيد في إحدى مناطق نفوذها الامبراطوري.. وسيتم الاستفتاء يوم 18 أيلول المقبل من هذا العام.
إن استقلت اسكوتلندا، ستضعف بريطانيا وتخسر جزءا كبيرا من قوتها ونفوذها.. أهم تغير سيحدث هو تقسيم القوات البحرية التي لم يبق محيط ولا بحر ولا بحيرة ولا نهر إلا مخرته ونشرت فيه سيطرتها..

عشت ثلاث سنوات في مدينة بورتسموث البريطانية وهي مقر القوات البحرية الملكية، وكنت أرى متحسرا ومغبونا كيف تتحرك السفن والبارجات الحربية العملاقة منطلقة نحو العالم محملة بالهيمنة والسيطرة.. رأيت العدد الكبير للجنود والضباط الاسكوتلنديين العاملين في هذه القوات وخالطتهم بعضهم واطلعت على كرههم للإنجليز ورغبتهم في الاستقلال والعودة لبلادهم والكف عن خوض الحروب وتفريق الشعوب، وحتى آخر سلطان على زنجبار ما زال حيا ويعيش في نفس المدينة وعلى بعد أمتار من السفن والقاعدة البحرية التي خططت لإنهاء حكم السلطنة وقتل العرب.
سيأخذ الاسكوتلنديون معهم جزءا حيويا من صناعة وتقنية السلاح والأنظمة الحربية حيث يلعب المهندسون والخبراء والعقول الاسكوتلندية أيضا دورا مهما في هذه الصناعة إضافة إلى صناعات أخرى.

أيضا ستخسر بريطانيا وأقصد الإنجليز أحد أهم مصادر الطاقة والقوة وهو البترول في البحر الاسكوتلندي، وستكون أكثر حاجة لنا في الدول الخليجية إن كانت الدول الخليجية تخطط لمثل هذه المتغيرات وتحاول جعلها في صالحها وصالح استقرارا العالم والدول الإسلامية على وجه الخصوص.. فهل لدى الدول الخليجية أي خطة مستقبلية للتعامل مع الاستقلال الاسكوتلندي!
وهل خططت قنواتنا وصحفنا الناطقة باللغة الإنجليزية وحتى اللغة العربية لدعم هذا الاستقلال والترويج له إعلاميا.. قناة الجزيرة الإنجليزية، موقع العربية نت الإنجليزي، وكثير من وسائل الإعلام الأخرى الناطقة بالإنجليزية ، أم غلب عليها التوجه الضيق ..
ان سياسة بريطانيا ذات تأثير بالغ على مصير ومستقبل أي شعب عربي ومسلم، وحتى أميركا لم تستطع الذهاب إلى أفغانستان وتدمر العراق إلا بعد أن قامت بريطانيا بإقناعها وتأكيدها بوقوفها معها الكتف حذو الكتف كما قال توني بلير في كلمته المشهورة قبل الحرب.. في مثل هذه الاستفتاءات يلعب الإعلام الدور المطلق في رجوح الكفة لصالح أحد الطرفين بما يطرحه من أخبار وتقارير وضيوف كوسائل لإقناع للشعب.

في أحد البرامج التلفزيونية على قناة الجزيرة الإنجليزية والتي تحظى بمتابعة نسبة ليست بالقليلة من الشباب الغربيين، طرح البرنامج حلقة عن استقلال اسكوتلندا ولكنه انشغل بالإيجابيات والسلبيات الاقتصادية للاستقلال ولم يتطرق إلى إمكانية إنهاء فترة طويلة من الاستعمار والحروب التي تشعلها بريطانيا، وحين طلب البرنامج مشاركات واقتراحات لمحاور الحلقة عبر تويتر كالعادة، اقترحت عليه قضية استقلال الاسكوتلنديين والتقليل من حروب وحرائق ودسائس بريطانيا الخارجية، ولكن البرنامج تجاهل هذه القضية الأمر الذي يوحي بأن فكرة الهم العربي والاسلامي شبه غائبة عن إعلامنا العربي المحترف وبخاصة في الجزيرة والعربية معا.

 

Source: 

http://www.al-muthaqaf.net/index/articles.php?action=show&id=181

 

error

Share the content of this page